أساطير السمنة التي تعيق النجاح

أساطير السمنة التي تعيق النجاح

أساطير السمنة التي تعيق النجاح

أساطير السمنة التي تعيق النجاح

مقدمة

في عالمٍ تتسارع فيه المعلومات وتتشابك، أصبح من الصعب التمييز بين الحقائق العلمية والأساطير المتداولة حول السمنة وإنقاص الوزن. تنتشر هذه الأساطير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، المجلات، وحتى بين الأصدقاء والعائلة، مما يخلق حاجزاً أمام فهم الطرق الصحيحة والفعّالة للتعامل مع زيادة الوزن.

في هذا المقال، نستعرض أبرز الأساطير المتعلقة بالسمنة وإدارة الوزن، ونقدم الحقائق العلمية المدعمة بالأدلة لتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تعيق رحلتك نحو صحة أفضل.

الأسطورة الأولى: "قطع وجبة العشاء يساعد في إنقاص الوزن بسرعة"

الأسطورة:

يعتقد كثيرون أن تخطي وجبة العشاء أو تناول وجبة خفيفة جداً قبل النوم هو طريقة مضمونة لإنقاص الوزن. تقوم هذه الفكرة على افتراض أن الجسم "يخزّن" السعرات الحرارية التي يتلقاها في المساء على شكل دهون لأن النشاط البدني يكون أقل خلال فترة النوم.

الحقيقة العلمية:

الأبحاث العلمية تؤكد أن توقيت الوجبات ليس العامل الحاسم في زيادة الوزن أو نقصانه، بل المهم هو إجمالي السعرات الحرارية المستهلكة مقارنة بالمحروقة على مدار اليوم. وفقاً لدراسة نُشرت في مجلة التغذية السريرية الأمريكية، لم يظهر فرق كبير في فقدان الوزن بين من يتناولون وجبة العشاء ومن يتخطونها، طالما كان إجمالي السعرات الحرارية اليومية هو نفسه.

بل إن قطع وجبة العشاء قد يؤدي إلى:

·       الشعور بالجوع الشديد في صباح اليوم التالي، مما يدفع لتناول وجبة إفطار أكبر أو وجبات خفيفة غير صحية.

·       التأثير السلبي على جودة النوم، مما قد يرفع مستويات هرمونات الجوع (الغريلين) ويخفض هرمونات الشبع (اللبتين).

·       انخفاض في معدل التمثيل الغذائي نتيجة نقص التغذية.

البديل الصحي:

بدلاً من قطع العشاء، يُنصح بتناول وجبة عشاء متوازنة ومعتدلة السعرات الحرارية، تحتوي على:

·       بروتين قليل الدهون (مثل الدجاج، السمك، البقوليات)

·       خضروات غنية بالألياف

·       كمية معتدلة من الكربوهيدرات المعقدة

ويفضل تناول العشاء قبل النوم بساعتين إلى ثلاث ساعات لتحسين الهضم وجودة النوم.

الأسطورة الثانية: "الديتوكس والحميات السريعة تحرق الدهون"

الأسطورة:

تروّج العديد من البرامج التجارية لفكرة أن "تنظيف" الجسم من "السموم" عبر مشروبات الديتوكس أو الحميات السائلة يمكن أن يحرق الدهون بسرعة ويساعد في إنقاص الوزن خلال أيام معدودة.

الحقيقة العلمية:

الجسم البشري مزود بنظام تنقية طبيعي متكامل يتمثل في الكبد والكليتين والجهاز الهضمي، وهو قادر على التخلص من الفضلات والمواد غير المرغوب فيها بشكل طبيعي. وفقاً للجمعية الأمريكية للتغذية، لا يوجد دليل علمي يدعم فكرة أن مشروبات الديتوكس تساعد في "تنظيف" الجسم أو حرق الدهون.

ما يحدث في حقيقة الأمر:

·       الفقدان السريع في الوزن خلال حميات الديتوكس يكون غالباً نتيجة فقدان الماء والجليكوجين (مخزون السكر في العضلات) وليس الدهون.

·       بمجرد العودة إلى النظام الغذائي العادي، يعود الوزن بسرعة، وأحياناً يزيد (ظاهرة الارتداد).

·       قد تؤدي هذه الحميات إلى نقص في العناصر الغذائية الأساسية وفقدان كتلة العضلات، مما يخفض معدل الأيض.

البديل الصحي:

بدلاً من الاعتماد على حميات الديتوكس، يمكن دعم أجهزة التنقية الطبيعية في الجسم عبر:

·       شرب كميات كافية من الماء (8-10 أكواب يومياً)

·       تناول الخضروات والفواكه الطازجة الغنية بمضادات الأكسدة

·       الحد من الأطعمة المصنعة والسكريات المضافة

·       ممارسة النشاط البدني بانتظام، مما يساعد في تحسين الدورة الدموية واللمفاوية

·       الحصول على قسط كافٍ من النوم للسماح للجسم بالتجدد والإصلاح

الأسطورة الثالثة: "تجنب الدهون تماماً ضروري لإنقاص الوزن"

الأسطورة:

لسنوات طويلة، ساد الاعتقاد بأن تناول الدهون، بغض النظر عن نوعها، يؤدي مباشرة إلى زيادة الوزن، وأن اتباع نظام غذائي منخفض الدهون أو خالٍ منها هو المفتاح لإنقاص الوزن.

الحقيقة العلمية:

الأبحاث الحديثة أثبتت أن ليست كل الدهون ضارة، وأن بعضها ضروري للصحة العامة والتمثيل الغذائي السليم. وفقاً لدراسات نُشرت في مجلة New England Journal of Medicine، فإن النظام الغذائي الذي يحتوي على نسبة معتدلة من الدهون الصحية (مثل الموجودة في زيت الزيتون، الأفوكادو، المكسرات) يمكن أن يكون أكثر فعالية في إنقاص الوزن على المدى الطويل مقارنة بالأنظمة منخفضة الدهون.

الدهون الصحية:

·       تساعد في امتصاص الفيتامينات الذائبة في الدهون (A, D, E, K)

·       تعزز الشعور بالشبع لفترة أطول

·       تلعب دوراً هاماً في وظائف الدماغ والهرمونات

·       تساهم في صحة البشرة والشعر

البديل الصحي:

بدلاً من تجنب الدهون تماماً:

·       التركيز على الدهون غير المشبعة الأحادية والمتعددة (زيت الزيتون، المكسرات، البذور، الأفوكادو، الأسماك الدهنية)

·       الحد من الدهون المشبعة (الموجودة في اللحوم الدهنية ومنتجات الألبان كاملة الدسم)

·       تجنب الدهون المتحولة قدر الإمكان (الموجودة في الأطعمة المقلية والمخبوزات الصناعية)

·       الالتزام بالكميات المعتدلة، حيث أن الدهون تحتوي على 9 سعرات حرارية لكل جرام

الأسطورة الرابعة: "التمارين الرياضية المكثفة ضرورية لإنقاص الوزن"

الأسطورة:

يعتقد الكثيرون أن الطريقة الوحيدة لفقدان الوزن هي الالتزام بتمارين شاقة ومكثفة لساعات طويلة في الصالات الرياضية، وأن النظام الغذائي وحده لا يكفي.

الحقيقة العلمية:

تشير الدراسات إلى أن النظام الغذائي يلعب دوراً أكبر في إنقاص الوزن مقارنة بالنشاط البدني. وفقاً لبحث نُشر في مجلة Obesity Reviews، فإن تعديل النظام الغذائي وحده يمكن أن يؤدي إلى فقدان الوزن، بينما يكون تأثير التمارين الرياضية وحدها محدوداً نسبياً.

هذا لا يقلل من أهمية النشاط البدني، لكنه يضعه في إطاره الصحيح:

·       30 دقيقة من النشاط المعتدل (كالمشي السريع) قد تحرق حوالي 150-200 سعر حراري، وهو ما يعادل كوباً صغيراً من المكسرات أو شطيرة متوسطة

·       يحتاج الشخص إلى حرق حوالي 3,500 سعر حراري لفقدان 0.5 كيلوجرام من الدهون

البديل الصحي:

الحل الأمثل هو المزج بين:

·       تعديل النظام الغذائي لتقليل السعرات الحرارية المتناولة بشكل معتدل

·       ممارسة النشاط البدني المنتظم (وليس بالضرورة المكثف)، بمعدل 150 دقيقة أسبوعياً من النشاط المعتدل

·       التركيز على زيادة النشاط اليومي العام (NEAT: النشاط الحراري غير التمريني) مثل:

o      أخذ السلالم بدل المصعد

o      المشي لمسافات قصيرة بدل القيادة

o      الوقوف أثناء العمل لفترات متقطعة

o      القيام بالأعمال المنزلية بنشاط

·       دمج تمارين القوة في الروتين الأسبوعي لبناء العضلات، مما يساعد في رفع معدل الأيض

الأسطورة الخامسة: "الكربوهيدرات تسبب زيادة الوزن ويجب تجنبها"

الأسطورة:

مع انتشار الحميات منخفضة الكربوهيدرات مثل الكيتو، أصبح هناك اعتقاد شائع بأن الكربوهيدرات بجميع أشكالها هي السبب الرئيسي في زيادة الوزن، وأن تقليلها بشكل كبير أو تجنبها تماماً ضروري لإنقاص الوزن.

الحقيقة العلمية:

الكربوهيدرات ليست العدو، بل إن نوعيتها وكميتها هي العوامل المؤثرة في الوزن والصحة. وفقاً لدراسات من جامعة هارفارد، فإن الكربوهيدرات المعقدة والغنية بالألياف (الموجودة في الحبوب الكاملة والبقوليات والخضروات) مرتبطة بتحسين صحة القلب والأوعية الدموية وتقليل خطر الإصابة بالأمراض المزمنة.

الفرق بين أنواع الكربوهيدرات:

·       الكربوهيدرات البسيطة (السكريات المكررة): ترفع مستويات السكر في الدم بسرعة، وتؤدي إلى تقلبات في مستويات الطاقة والشهية

·       الكربوهيدرات المعقدة (الغنية بالألياف): تُهضم ببطء، وتساعد في الحفاظ على مستويات مستقرة للسكر في الدم والشعور بالشبع لفترة أطول

البديل الصحي:

بدلاً من تجنب الكربوهيدرات تماماً:

·       التركيز على الكربوهيدرات الغنية بالألياف والمغذيات:

o      الحبوب الكاملة: الشوفان، الأرز البني، الكينوا، خبز القمح الكامل

o      البقوليات: العدس، الحمص، الفاصوليا

o      الخضروات النشوية: البطاطا الحلوة، القرع

·       الحد من الكربوهيدرات المكررة والسكريات المضافة:

o      الخبز الأبيض، المعجنات، المشروبات المحلاة، الحلويات

·       تناول كميات معتدلة تتناسب مع مستوى نشاطك البدني

·       دمج البروتين والدهون الصحية مع الوجبات التي تحتوي على الكربوهيدرات لإبطاء امتصاص السكر في الدم

الأسطورة السادسة: "تناول الأطعمة 'صفر دهون' أو 'قليلة السعرات' يضمن إنقاص الوزن"

الأسطورة:

ينجذب الكثيرون للمنتجات التي تحمل ملصقات مثل "صفر دهون" أو "قليل السعرات" أو "دايت"، معتقدين أنها خيار صحي يضمن إنقاص الوزن مهما كانت الكمية المستهلكة.

الحقيقة العلمية:

غالباً ما تحتوي المنتجات "خالية الدهون" على نسبة عالية من السكر والمواد المضافة لتعويض النكهة المفقودة من الدهون. كما أن ملصق "قليل السعرات" لا يعني بالضرورة أن المنتج صحي أو مغذٍ.

الدراسات أظهرت أن:

·       استهلاك المنتجات "الخالية من الدهون" أو "قليلة السعرات" غالباً ما يؤدي إلى زيادة الكمية المستهلكة نتيجة ما يسمى بـ "تأثير الترخيص" (أي الشعور بأنه يمكن تناول كميات أكبر لأن المنتج "صحي").

·       العديد من هذه المنتجات تحتوي على مكونات صناعية ومحليات ومواد حافظة قد تؤثر سلباً على صحة الأمعاء والتمثيل الغذائي.

البديل الصحي:

·       التركيز على الأطعمة الكاملة والطبيعية بدلاً من المنتجات المصنعة "خالية الدهون" أو "قليلة السعرات"

·       قراءة الملصقات الغذائية بعناية والانتباه للمكونات وليس فقط للادعاءات التسويقية

·       الالتزام بالكميات المعتدلة حتى مع المنتجات التي تحمل ملصقات "صحية"

·       اختيار النسخة الكاملة من بعض المنتجات (مثل الزبادي الكامل الدسم) بكميات أقل بدلاً من النسخة "خالية الدهون" التي غالباً ما تكون أقل إشباعاً وأكثر تصنيعاً

الخلاصة

إن فهم الحقائق العلمية وتحطيم الأساطير المتعلقة بالسمنة وإدارة الوزن خطوة أساسية في رحلة الصحة والعافية. بدلاً من الانجراف وراء الحلول السريعة والوعود المبالغ فيها، يجب التركيز على نهج متوازن ومستدام يشمل:

1.   تبني نظام غذائي متوازن يحتوي على جميع العناصر الغذائية الأساسية من مصادر طبيعية وكاملة

2.   ممارسة النشاط البدني بانتظام بما يتناسب مع قدراتك واهتماماتك

3.   الحصول على قسط كافٍ من النوم والراحة (7-9 ساعات للبالغين)

4.   إدارة التوتر والاهتمام بالصحة النفسية

5.   وضع أهداف واقعية وقابلة للتحقيق على المدى الطويل

تذكر دائماً أن إنقاص الوزن والحفاظ على صحة الجسم هي رحلة طويلة وليست سباقاً سريعاً، وأن التغييرات الصغيرة والمستدامة غالباً ما تكون أكثر فاعلية من الحميات القاسية والتغييرات الجذرية.

المصادر العلمية

1.   الجمعية الأمريكية للتغذية (American Nutrition Association)

2.   المعهد الوطني للصحة (National Institutes of Health)

3.   مجلة التغذية السريرية الأمريكية (American Journal of Clinical Nutrition)

4.   مجلة الجمعية الطبية الأمريكية (JAMA)

5.   كلية الطب بجامعة هارفارد (Harvard Medical School)

6.   مجلة نيو إنجلاند للطب (New England Journal of Medicine)

7.   مجلة أوبيسيتي ريفيوز (Obesity Reviews)

8.   منظمة الصحة العالمية (World Health Organization)

 

© جميع الحقوق محفوظة مركز الدكتورة زينب زعيتر